جوني ديب يدخن سيجارته بهدوء وهو يطالعني من خلفية شاشة الكمبيوتر. أغلق الشاشة مدفوعاً بمحاولتي الأخيرة للبقاء يقظا. الضوء الخافت يتسرب من ركن بعيد والأفكار المقيدة تتنازع في داخلي. أريد أن أتحرر.
أندفعت نحو باب الشرفة ودفعته بقوة كمن يريد أن يتخلص من ماضي ثقيل ويطير. أنفتح على مصراعية ومضيت حافيا نحو هواء الليل السابح في الملكوت. هاهي أضواء هناك تلمع، بعيدة كأنها حافة العالم. أتوق للحكي وللكلام ولكن يخرج مني شئ. كل ما أكتبه يشبه ثقلا لا يتزحزح يربض فوقي ويصارعني. لا أعلم شيئا عن اللحظة التي قررت أن أصير فيها كاتبا. كما كانت مغامرة غير محسوبة!
سيجارة أخري ونفس يخرج مندفعا نحو المجهول الليلي. الشارع الذي شهد أعنف أحداث الثورة، هاهو مسجي أمامي يغط في ثبات عميق. هاهو الجرافيتي يبدو كأشباح تطالع بعضها البعض في صمت. لا شئ يمر في ساعات حظر التجوال سوى عجوز على دراجه، يمضي وحده كأنه أتي بعد الطوفان.
في أي يوم قررت أن أكون كاتب؟ لا أعلم. ما الذي دفعني نحو هذا القدر؟ ظننت أن الكتابة كالحلم، كلما صعدت درجة تحررت. ظننت أن كلما خططت سطرا، أنبت الياسمين على السياج وأنفتح الطريق نحو التلال البعيدة. ظننت أن كلما كتبت، تحررت من المجهول الساكن في. كبر المجهول مع كل كلمة وتاهت في داخلي الأزمنة. الكتابة ليست حلم كما يظنون. الكتابة هو أن تعيش في داخلك ألف مرة لتخرج بالمعني الكامن. الكتابة هو هذا المجهول القلق الذي يراقبك طيلة الوقت.
أتذكر صديقي يحيي عندما قال لي “أنت تحب الكتابة لأن الكاتب الذي في داخلك هو صديقك المفضل”. لا أعلم أن كان على حق فيما قال. ربما كان صديقي المفضل ولكني أحيانا أهابه. أنه عنيد ويلقي على مسامعي ثقل الحكاية ويتركني شاردا فيها. يفاجئني في الليل وفي الطرقات ويعيد الحكاية وفي كل مرة يروي لي شئ غاب عني. في كل مرة يكشف لي شئ جديد لم أعلم به.
هنا الليل يطوف أسطح المباني والشرفات ويمر بي كأنه عابر سبيل. هناك خلفي تكمن صفحات الرواية وأبطال تركتهم في لحظة إشتعال الأحداث.
أعود إلى الشاشة وإلى شخصياتي وأتسائل “في أي لحظة قررت أن أكون كاتبا؟” لا أعلم. كل ما أعرفه أن البطل في هذه الرواية يريد أن يتحرك الأن في طريقه. أحرره.. تنطلق أصابعي على الحروف….
ياسر أحمد