أحيانا أشعر بأني بيت قديم فى لوحة رسام مجهول أو لحنا دافئ لفيروز يتسرب إلى في مساء بارد. أحيانا أشعر بأني حزن طفل وقف على العتبات وحده يتطلع للشارع. أراني كلمحة من حلم حلمت به منذ سنين، عاودتني فجاءة وبقيت تلوح أمامي بشجن غريب.
الحنين لا يبارحني ويذكرني بأشياء لم أعرفها من قبل، ربما حلمت بها ولكنها ظلت مبهمة ولا حكاية لها ولا تفسير. ومضات تبرق للحظات ثم تخفت وأظل محفوفا بالضباب وحدي، لا أسمع سوى صوت نفسا تائه يسبح في أركاني كالسائح الغريب.
مشهد يمر من حلم بعيد، حلمت به ذات ليلة، الحلم فيه نهر واسع وقمر فضي كبير وأنا في قارب صغير، أجدف في الماء وأبتعد.. وأبتعد.. أفتش في أنحاء الذاكرة ولا أجد للمشهد من تفسير، ظل وحده معلقا في ذاكرتي، يراودني كومضة براقة تستطع ثم تخفت وتتركني في سماء الحنين غائبا.. أشعر بملمس ناعم لا وصف له، شئ يفوق في نعومته أي شئ عرفته، أنقب عن كنهه في ذاكرتي ولا أستدل عليه، ملمس أرق من الحرير وأخف من السحاب، أعود أشعر به على كفي وأطراف أصابعي كلما بدأت أغفو في النوم، أمر في ذاكرتي بكل الأشياء التى لامستها ولا أتذكر شئ أعرفه يشبه ذلك الملمس.
عيون طفل واسعة تقف أمامي وتتطلع إلى، يطل على من حلم بعيد ولا تفارقني تلك النظرة الكامنة في عينيه، عيونه تطل على وكأن العالم يبدأ من هنا ويعود، يرسم بعينيه كل معاني الحقيقة فترتج كل أحساسي ولا يتحرك الزمن، طفل لا أعرفه ولم أراه من قبل ولكن عينيه الواسعتين كانتا تطل على وكأنهما عمري كله وما كنت وما سوف أكون.
يضربني الحنين في طرقات الأرض ولا يتركني، أحن لما لست أعرفه ولم أقابله من قبل، أحن لنافذة لم تكن في جدار البيت، أدور في مدى لم ترسمه الطرقات، أفتش عن فتاة أشعر بها ولا أعرفها، تعدو فوق رمل الشاطئ وتنام على كتفي في محطة الباص وترتشف بقايا فنجان قهوتي.
أشعر بنفسي ظلا مرسوم لا يتبع أحد أو ممر يمتد نحو مدينة ضائعة أو هاتفا يهتف ذات لحظة لتلتف، أسترسل خلف حنين بعيد يأتي ويذهب وحده ولا أعرف كيف أمسك به؟ ولا كيف أطلقه؟ أتركه يجول في ويحملني معه كريح تتلاعب بكل ما تمر به في طريقها؟
حنين يجلس في ذاتي وأمضي خلفه في أراضي لم أتطأها وأشتاق لأناس لم أقابلهم وأحب أشياء لم أسكنها وألامس سمائي البعيدة المرصعة بالنجوم والحكايات.