August 8, 2012 Yasser Ahmad 4Comment

لم أكن أعرف أننا سنمضى هكذا، نفترق ونتوه فى العلامات البعيدة لنرى ما كان منا قريب. لم أكن أعرف بأن الحياة مزيج حائر من الذكريات والنسيان.

يبتعد بك الطريق وتفصل الريح بيننا وتأخذ معها ما كان مني وما كان منك. كل هذا الهواء يحمل ذكرياتك مبتعدا فيتلاشى كل شئ وأودعك.

أقول لنفسي، مر ولا تلتفت. قدر المسافر أن يوصل الفواصل بين المسافات. قدر المسافر أن يرسل الأحزان نحو الماضي هناك فى الوراء ليبتعد. أقول لنفسي، مر من هنا إلى هناك ولا تلتفت مهما كان أو سيكون. مر بين دروبك دون أن يستوقفك خاطر يجول فى الذاكرة شريد. أقول لنفسي، كل شيء فى الريح يمر، وكل أثر كان مني سيسكن فيه غيري عما قريب.

كل شئ فى طريق المسافر إستثنائي عندما يلقاه، ثم يتركه لغيره. هو هكذا الطريق، يمشي فيك وتمشي فيه ويأخذ منك دون أن تشعر ويمنحك ما لا تفهمه.

لم أكن أعرف يوما أن كل ما مضى منك سيعود يقابلني كلما أبتعدت. أنه المطلق المصوب نحوي فى المدي الكبير. أنه الزمن الذي كان يعدو بي ثم قرر أن يتوقف ليطالعني بكل ما فيه. كل هذا النسيان الذي خلقته عاد ليتذكرني وكأنني لم أمضي خطوة واحدة رغم كل تلك المسافات التى قطعتها.

كلما أفترقنا ذات يوم عند هذا المنحنى وأطل وجهك مخضبا بدموع الفراق الصامتة، ألتقينا ثانية فى زمن أخر كالغرباء، وتعارفنا ووقعنا فى الحب من جديد. كلما رحلتي هناك وراء الغيم، عدتي فى صباح أخر وتوقفتي أمامي لتهمسي “تعجبني كلماتك”. ها نحن نلتقي ثانية كأول مرة وتحيى الحكاية من جديد.

كلما رسمتي صورتي كمسافر يبتعد وتلاحقه دموعك على الأوراق، أحزن ويتهاوى قلبي فى قرار بعيد. قلب يسكن وحده قاع دفين، لا ينطق ولا يبوح ولا يعلم بوجوده أحد.

كلما رحلتي، أكفر بالحب وبالوطن وبكلماتي وأمضي وحدي أسير الريح وأينما مضى بي الطريق مشيت معه. قدر المسافر مع الريح مربوط بخيط رفيع من الهوى والوهم. قدر المسافر مع الريح ليس له طريق.

لم أكن أعرف أننا سنمضى هكذا لنفترق ونلتقي ونتوه فى العلامات ونهتدى بأسئلة مجهولة الإجابات. لم أكن أعرف أن الريح تذهب بكل شئ قريب فى لحظة وتعود فى لحظة بكل شئ كان بعيد.

لم أكن أعرف كيف كنا نفترق لنلتقي؟ تتركين خلفك بحر من الدموع وحزن صامت كلما سألته لا يبوح، وتعودين يوما وعينيك تقف أمامي ككون مرصع بما كنت أبحث عنه وأتمناه. تهمسين همسة واحدة فى أذني فيعود كل شئ غريب في إلى مكانه وتعود كل نجمة فى السماء إلى مكانها. همسة واحدة ويعود البحر مألوف لي وأنا مألوف له ويخبرني بما فاتني في تلك السنوات.

أنا المسافر الذي ألتقى نفسه كلما أفترق عنها. أنا المسافر الذي كلما مر بطريق أشار نحو نفسه وقال “من أي الطرقات أغيب” وعندما لم يأتيني رجع الصدى، أنتظرتك وأنا كلي يقين بأنك الإجابة وأنك الطريق وبأننا سنلتقي ذات يوما عندما يغيب كل شئ.

هو هذا الهواء الذي أتحسسه يمر ولا أملكه ولا أستوقفه ولا أفهم لما كان يتلاعب بي. يذهب ويعود وتمر الأيام وأنا أرتحل كشراع يبحر ما بين لقاء وفراق. لم أكن أعرف أن الذاكرة تسكن النسيان وأن للنسيان ذاكرة تعاوده من حيث لا يدري.

لم أكن أعرف أن من يفترق قريب، ولم أكن أعرف أن من يلتقي بعيد. لم أكن أعرف أن الريح غيب طليق وأن قدر المسافر أن يبتعد فى الطريق ليقترب أكثر من كل ما كان في نفسه ولم يراه.

ياسر أحمد

قدر المسافر

4 thoughts on “قدر المسافر

  1. very very nice , i really like your way of choosing the words , i feel like your words are so smooth , easy & complicated in the same time,by the way i am reading your novel عكس الاتجاه ,
    i find it very intersesting keep up the good work , i hope to read more of your work

  2. وطن المسافر مرسوم بخيوط الوهم
    وحياته معلقة بين الماضي والحاضر، بين اللقاء والفراق، بين الرياح وجذوع الشجر
    لترسم ملامح إنسان كالغرباء يحيا
    أسيراً للحنين
    عاشقاً للتفاصيل
    ليمسي ذاكرة متحركة تبحث عن النسيان بين دفء الذكريات

    تحيتي لقلمك

  3. كلماتك راقيه باحساس جميل نادر ما نجدة حاليا تحياتي لقلمك و فى انتظار مزيد من الكلمات ذات الاحساس العميق

Leave a Reply