حروب العالم المتداعي
أنا الجشع
أنا التحول البشع
أنا المستقبل القريب أكثر من ما ينبغي
أنسف عقلك وأتبعني! أنت لم تعد بحاجة إليه بعد الأن. أنظر حولك! هل تري كل هذا الجنون؟ أحترس لخطواتك فهذا الزحام قد يكون قاتلا. فجاءة، سوف يتصادمون وسيفتك بعضهم ببعض وقد تسقط صريعا تحت أقدامهم. أعلم أن لا ذنب لك في كل ما يحدث. أعلم أنك أتيت غريب إلى هنا رغم أن كل أوراقك تثبت أنك ولودت هنا يوما ما. لا عليك، أنسف عقلك وأتبعني!
الزمن هو الذي يصّعد الأشياء نحو ذروتها، وهو أيضا الذي ينسيك تلك الأشياء. لولا الزمن لحدث كل شئ في نفس الوقت ولصار من المستحيل أن تفهم كل هذا. ربما هذه الأيام التي تعيشها كانت بلا زمن، كل شئ كان يحدث في نفس اللحظة.
أنت في العالم الذي يشبه نفسه إلى حد كبير، منتفخ وقابل للإنفجار في أي وقت. لقد كان يتلكأ وحده في إنتظار أن يبدأ في التداعي الحر. ذات يوم عادي من تلك الأيام التي أحيانا لا نشعر بها، ودون أي مقدمات سقطت البورصات العالمية. بدأ الأمر كله فجاءة وتدحرجت كرة الثلج من أعلى نحو الأخدود السحيق. هوت الأسهم في صباح اليوم الأول وأنطلقت حمى البيع، الكل يبيع بجنون. رفعت وول ستريت والبورصات العالمية شعار التجميد لإيقاف الإعصار، لقد سطع عصر جليدي جديد في الأفق. عندما حل الصباح التالي بدأت العملة الأولى في العالم التداعي وأرتفع سعر الذهب نحو عنان السماء. التنين الأحمر قرر الإحتماء وسحب البساط من تحت أقدام العالم القديم. هوت أسعار العقارات في كل مكان بحدة وتأرجح العالم في الهواء. أصاب الهلع المواطنين في كل مكان وبدأ الجميع سحب أموالهم من ماكينات الصراف الألي خوفا من القادم. هوجمت المتاجر في كل مكان ونهبت الأغذية والمنتجات. السطو على كل شئ صار شعار القادمون من أسفل. المتاجر تنهب، السيارات تسرق من الطرقات، المطحونين تحت رحمة الإقساط يسطون على البنوك، دافعي الضرائب يهجمون على مقرات الحكومات، الواقعين أسفل ظلمات السلم الوظيفي يحطمون مكاتب شركاتهم وفروعها، الكل يثور ضد الرأسمالية الغير العادلة.
يضرب العالم نفسه في المجهول بعنف، يتطوح بالثقل الغير متوازن على حافة الهذيان. تنقض حروب التكنولوجيا على ساحات العالم، تنفك الشفرات المحصنة وتتوالى التسريبات من داخل تخوم الإمبراطوريات العجوزة. مجموعات الأنيمونس تطلق ألعاب مشابهة للقرد الأحمر في كل مكان، الحرب تقف على الأبواب وتدق بعنف. يرتدون القناع، يعلقون الشعار على الصدور، يلطخون الجدران: “فلتسقط الحكومات”، “كل الساسة محتالون”، “فلتسقط الميديا”، “لا تنصاع”، “الحرية للشعوب”، “نحن قادمون”. الأناركيين يتقافزون كالشياطين ويعبرون الحواجز، يديرون المعارك ضد الشرطة في الطرقات وضد النظم في الفضاء الإلكتروني. القرد الأحمر صار النموذج المجرب، صار النموذج الأكثر شهرة وإلهاما. تُرفع أعلام القرد في ثلاث عواصم عربية وبعض المدن الأوروبية والإسيوية. الأنيمونس يغزون الفضاء الإلكتروني محاولين إستنساخ اللعبة ويطالبون بالمدد من القاهرة. يريدون الإصدار مع تغيير الخرائط، يخلقون نماذج مشابهة ويطلقون المسميات المختلفة عليها. الكل يطور المنصة، والدولة الجديدة هي التكنولوجيا، الدولة الجديدة هي المنصة الإفتراضية أما الأنظمة التى على الأرض فيجب أن تسقط. هذا الفضاء هو عالمهم وهو أدواتهم الفتاكة، التكنولوجيا لم تعد تحشد فقط مثلما كانت تفعل منذ سنوات بل صارت قادرة على السيطرة أيضا، التكنولوجيا صارت تسقط الشبكات وتشل الإتصالات وتوحد الهجمات. التكنولوجيا التي في جيوب الملايين قادرة على تحريك الألوف في لحظة، قادرة على أفعال لا تصدق عندما تتوحد. ملايين من الهواتف في لحظة واحدة تستطيع أن توجه ضربتها تجاه شبكة فتسقطها، ملايين من الإشارات تومض حول الأرض وترسل إشارتها. يرسمون حدود عالمهم ويضربون بأفكارهم قشرة المجتمع البالية فينفجر البركان الرابض تحتها.
لم يكن أحد يتوقع هذا المستقبل من قبل، الكل كان مشغول بالتجسس على الأخرين وصراع الموارد والسيطرة، الدول كانت تشيخ خلف جدران من الحماية الوهمية، الدول كانت تتحصن خلاف قلاع عمياء لا تعرف أن العدو سيأتي من الداخل. لم يكونوا يعرفون أن المسربين سيفتحون الأبواب على مصراعيها. في العامين السابقين خرجت التسريبات المتوالية على غرار ما قام به العميل سنودن قبل سنوات. لقد دارت عجلة العصر المجنون نحوم تخوم حرب الأبواب الخلفية وأشباح المتسليين.
ليست مدينتك هي وحدها المقصودة، كل المدن صارت تتشابه. كم في العالم من جائعين؟ كم في العالم من ناقمين؟ المدن التي أستفحلت صارت عبء على العالم. الغلاء يجتاح وطوابير البطالة والسكن تزداد في كل مكان. الأناركيين يزدادون في الساحات ويرفعون شعارات اللاحوكمة. المدن المكدسة بالسكان صارت أعتى من قوات الشرطة، والجائعين توحدوا خلف موجات الإناركيين في كل مكان. الحكومات خدعت الشعوب والأجيال التى خرجت إلى الأرض لم تعد تعرف إنتماء، الكل ينتمي للتكنولوجيا، ذلك هو منصتهم التي يعترفون بها ويريدون تحقيق كل شئ عبرها.
القرد الذي نبت في خلاء المستقبل الذي لا يجئ، صار هو المستقبل عينه. الفكرة التي خرجت من رحم الإحباط، عنيفة ومحصنة ضد السقطات، تحولت إلى منصة للأحلام. الأناركيين يسطون على حاضر الدول التي ركدت تحت ركام السياسة لدهور، طبقات من القيود والتراكمات الثقيلة. الأن يهجم اللامنتمون بخفة ويطبقون على الحاضر المتبلد. الأناركيين يهبطون إلى الأرض وشعارتهم تكسوا طرقات المدن. ألوف تدافعت من ضيق البحث عن الفرصة إلى ضجيج الثورة على النظم المهيمنة. الأناركيين ينتشرون كالطوفان وينظرون لعالم جديد بلا سلطة. الأقنعة تقود المظاهرات في المدن التجارية الكبرى. لا أحد بمأمن من غضب اللامنتمون. الرأسماليين يتشبثون بأخر فرصة للحفاظ على ما يملكون ويحركون الحكومات لتبطش بخطر الأناركيين الجدد.
العالم يخرج عن السيطرة والثورات تتوالى في العواصم الكبري. العالم يأكل بعضه بنهم. الكل الأن يتذوق طعم الفوضى. تنتقل الأفكار كالعدوى من بلد إلى أخرى. الرأسمالية تترنح بينما يعتلي الأناركيين المشهد. الحكومات تقدم أستقالتها والسياسات تتغير ولكن العالم لم يعد ينتظر الغد، الكل يعدو الأن بجنون. الأفكار القديمة تتساقط وتنشأ محلها أفكار أخرى في لمح البصر، العالم يتبدل وتترنح موازينه المعهوده. يخوض حربه الكبري ضد نفسه، هذه المرة كانت الحروب كلها داخليه.
مرحبا بك في تخوم العالم المتعولم حتى النخاع، هنا ليست البضائع وحدها هى التي تنتشر بل، أيضا الأفكار. القرية الواحدة، أحيائها متلاصقة. أهلا بك في العالم العنكبوتي الشره للتغيير. لم تعد تصلح معه المسكنات، لم تعد توقفه الحواجز، يتجمهر خلف الأفكار الطائحة. الفكرة ما أن تتشكل حتى تجتذب المحبطين ثم تخرج وتصير حقيقة على الأرض حتى تجتذب الطامحين. العالم يسقط في زمن الأفكار المضادة التي ترسبت وأستفحلت طيلة سنوات في دهاليز الفضاء الإلكتروني. الأفكار المستعصية ترسخت وصارت مارد لم يعلم أحد بقدومه.
أنك لا تتغير إلا عندما تصبح غير قادر على تحمل البقاء كما أنت، عندما تصير حملا ثقيلا على نفسك. الأن تصطدم بذاتك التي تحاول الهروب منها. يعصف الثقل بكل من ضجروا من الحياة. تخرج أفكار القرد لتنتشر في كل مكان. الأن الأشياء تتغير، في طرفة عين، وللأبد.