يطل العجوز في وجهي مليا وكأنه يستعيد شيء ما من ذاكرة مشوشة. تحيرني تطلعاته، وأفتش أنا أيضا عما يمكنني تذكره. على طرفي الطاولة، نجلس مثل أثنين من المقامرين يلعبان النرد مع الذكريات، وكل منا ينتظر رمية الأخر. يهتف أخيراً “ياااااه.. أنت؟!” نعم، هو أنا. هل تذكرني؟ ما الذي لعله…
لقد وقعنا في الفخ، وها قد أنتشر الخبر في المقهي أنتشار مدويا، وعندما وصلت في المساء التالي تم أستقبالي بأبتسامات عريضة متلاحقة وسلامات وتحيات فيما يشبه عرض تمهيدي، سيعقبه حتما خطة ما تم تمحيصها جيدا قبل حضوري. تجاوزت الأبتسامات العريضة والتحيات الموحية محاولا تفادي النظر في أعينهم. تلك كانت مهمة…
يحمل المكان أناسه ويعبر بهم الزمن، وكأنه العلامة الوحيدة الباقية التي تشير إلى الأشياء التي لم تتغير، الأشياء الأخيرة. تدور الأيام ويتغير حال الشارع عبر العقود المتوالية، وتتبدل الحوانيت عدة مرات، وتتغير البلد والناس وأحوالهم، ولكن مقهى الإسبريسو ظل كما هو لا يأبه بما يدور. يقف العم سليم خلف ماكينة…
الإسبرسو… هذا الغامض المستتر في عالمه الداكن العميق، هذا العنيد الذي يطرق كل أبواب الخلايا فيوقظها من الثبات. أسود قاتم وقائم بذاته، يعتمر قبعته البنية، ويتطلع نحوك بأناقة وثقة. مهر أسود جامح تمطيه، فيعدو بك نحو الأرض التى تسطع بها خيوط الضوء. الإسبرسو هو أسطورة العبق وخرافة الرائحة المنتشية فى…