May 22, 2013 Yasser Ahmad 0Comment

هذا الصباح في متجر الكتب بميدان طلعت حرب رد عليها البائع قائلاً “على الله يا بنتي”. لم ألتفت وخرجت إلى الشارع فلاحقتني بطلبها ورددت مثلما قال البائع ولكنها سبقتني بخطوتين ثم أستدارت معترضة طريقي. قالت بتلقائية بديعة

  –  طب ممكن تجيبلي شبشب؟

أنتزعتني من عالمي ودون أن أشعر وجدت نفسي أنظر إلى الأرض حيث قدميها. حافية على رصيف ساخن في يوم لا ترحم فيه الشمس الحارقة أحد. أنتبهت كل حواسي وخرجت من عالمي وإذا بي أمسك بكفها الصغير لنعبر الطريق. سألتها من أين لنا بحذاء؟ فأشارت نحو شارع قصر النيل ببساطة قائلة

  –  من هنا

رن هاتفي وعندما رددت أكتشفت أنه خطأ في الرقم فعلقت بعد أن أنهيت المكالمة

  –  اللي بيتصلوا بأرقام غلط دول بيبقوا عاوزين يكلموا بنات

طالعتها مبتسما، عفويتها تأثر القلب. رقيقة وبسيطة ولا يبدو عليها أن من أطفال الشوارع، ملابسها جميلة ونظيفة وتتحدث إلى بلا توقف وكأني قريب تعرفه منذ زمن. شئ ما جمعنا فصرنا نتحدث بلا توقف، ننتقل بين المتاجر منتقين حذاء، تعرض على الحذاء تلو الحذاء لأبدي رأيي وكأننا في نزهة تسوق مشوقة. تعرف ماذا تريد ولها ذوقها الخاص ولا ترضخ لترشيحات الباعة بل تشير نحو ما تريد بثقة أمرأة مكتملة الشخصية وليس طفلة لم تتجاوز التاسعة من العمر.

أتت بكيس بلاستيكي وأرتدته قبل أن تجرب الحذاء حتى لا يتسخ فينظر لها البائع ممتنا ومندهشا في نفس الوقت أما فكنت أستمتع بكل ما تفعله وأتأملها وهي تستقر أخيرا على حذاء شكله جميل. أنطلقنا عائدين بعد أن أرتدت حذائه الجديد ثم سألتني

  –  أنت رايح فين؟

لسبب ما بدا السؤال معتادا وكأنني أعرفها جيدا وكأنها جزء من حياتي اليومية، أجابتها ببساطة

  –  رايح الشغل

أشارت نحو الطريق وكأنها أرادت أن أن تكمل معي الرحلة فهززت رأسي موافق، قالت ونحن نسير

 –  أسمك أيه؟

  –  ياسر

  –  زي أبويا

أندهشت فطالعتني مبتسمة ثم تابعت

  –  أبويا أسمه ياسر

سألتها عن عمله فقالت أنه تركهم، لقد كان يعمل سائقا ثم تحول إلى بائع مناديل والأن يجلس عند أمه وهي التي تصرف عليه. تحكي هدى قصتها ببساطة وثقة لا أجدها حتى في مديرين التسويق بالشركات العالمية. ربما لو كانوا هنا لتعلموا منها كيف تعبر عما تريد بكلمات قليلة ومعبرة “قاعد عند أمه بتصرف عليه”.

نبهتها أن تأخذ حذرها من أطفال الشوارع فقالت أنها لا تتحدث معهم فقد رأتهم بعينيها يفعلون أشياء سيئة في البيت المهجور المجاور للنادي الدبلوماسي. قلت لها الشارع غير أمن وستضيع فقالت أن أمها قالت لها هذا وأنها في البداية طلبت منها أن تبيع المناديل دون أن تمد يدها ولكنها عادت وطلبت منها أن تسأل الناس المال. تحكي بلا توقف

  –  أمي ضربيتني أمبارح بالخرطوم وبعدين لما قعدت أعيط وأقول والنبي والنبي.. رمت الخرطوم وحضنتني وقعدنا نعيط سوا

حقيقة لم أعرف ماذا أقول، تهت في نفسي ولكنها تابعت

  –  أمي قالتلي هتضيعي زي أخواتك البنات.. أختي الكبيرة سلمت نفسها للمؤسسة

مررنا على بائع فاكهة فأشارت نحو المشمش المرصوص وقالت

  –  هاتلي مشمش

قالتها كطفل يطلب من أباه شئ أعجبه في الطريق، أبتعنا مشمش لكلينا ثم سألتها

  –  بتروحي المدرسة

  –  أه بس أحنا خلصنا الأمتحانات

تحدثت معها طويلا محذرا من مصير الشارع وأن لا تسمع كلام أمها عندما تطلب منها النزول إلى الشارع فصمتت مفكرة ثم قالت

  –  من كام يوم وأنا داخله أشحت من المحل لقيت صحبتي في الفصل ومعاها أمها.. أمها ما أخدتش بالها بس أنا عيطت

وقفنا أمام المنزل الذي أقطن به وكنت قد قررت أن أغير وجهتي، أشرت إلى الدور الذي أسكن به وقلت لها

 –  أنا ساكن هنا يا هدى لو أحتجتي حاجه تعالي

تعرفت على الشارع جيدا ودققت في البيت حتى لا تنساه ثم مضت تقفز على الرصيف بحذائه الجديد وتضم كيس المشمش إلى صدرها.

قد تأتيني هدى ذات يوم أو قد تضيع في الزحام، لا أعلم. قد تكون هدى أقوى من أمها أو أقوى من أختها التى سلمت نفسها لمؤسسة الأحداث. في عينها شئ يقول لن أضيع وحدي. لو قابلت هدى ثانية سأخبركم.

Leave a Reply